نظرا لتواصل الحصار الأمني المضروب على النشاط الحقوقي والسياسي والإعلامي في تونس وانتشار حالة الخوف بين المواطنين فان التقرير لا يمكنه الإحاطة الشاملة بكل ما يحصل من انتهاكات لحقوق الإنسان في مختلف المجالات والقطاعات والجهات ونحن نجتهد في تقديم صورة على ما أمكن لنا رصده من انتهاكات ومدى خطورتها واتساعها وتكرارها وتنوعها كما نقترح خطوات ضرورية لتطوير واقع الحريات وحقوق الإنسان في البلاد، وتجدر الإشارة إلى أن مصادر التقرير وإن كانت بالدرجة الأولى من مجمل البيانات التي أصدرتها المنظمة خلال شهر ماي 2010 فإننا نأخذ بعين الاعتبار كل ما تصدره المنظمات الحقوقية المستقلة داخل البلاد وخارجها من انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات العامة في تونس.
I. التقديم:
أصدرت منظمة حرية وإنصاف خلال شهر ماي 2010 (31 بيانا ) مقابل 36 بيانا في شهر أفريل 2010 و رصدت 77 انتهاكات للحريات الفردية والعامة و لحقوق الإنسان في تونس بما يعكس استقرارا في حجم الانتهاكات المرصودة وفي طبيعتها حيث بلغت 80 انتهاكا في كل من شهري مارس وأفريل 2010 .
و يعود هذا الارتفاع إلى حجم المحاكمات السياسية التي بلغت 24 محاكمة لتحتل المرتبة الأولى من مجمل الانتهاكات المسجلة بنسبة 31% أي بنفس النسبة تقريبا في شهر أفريل والتي بلغت 33% , بما يعكس استمرار مراهنة السلطة على الوسائل الأمنية والقضائية في معالجة قضايا المجتمع ومشاكل البلاد .
وقد شملت هذه المحاكمات قضايا سياسية واجتماعية متنوعة مثل قضية التضامن الاجتماعي بتهمة جمع أموال بدون رخصة طبقا لأمر 8 ماي 1922 المنقح بأمر 21 ديسمبر 1944 وقضية 5 شبان حوكموا بالسجن على خلفية الأحداث التي شهدها ملعب المنزه ليوم 9 أفريل 2010 ومحاكمة الصحفي الفاهم بوكدوس على خلفية تغطية أحداث الحوض المنجمي ونظر المحكمة الإدارية في قضية رفعها المناضل السيد علي بن سالم طعنا في قرار وزير الداخلية برفض الترخيص لتكوين جمعية باسم ودادية قدماء المقاومين وقد أخرت المحكمة الإدارية التصريح بالحكم في القضية ليوم 7 جويلية المقبل, ومن ناحية أخرى يتواصل مسلسل المحاكمات السياسية لضحايا قانون الإرهاب اللادستوري من الشباب المتدين والتي لم تتوقف منذ 7 سنوات وقد بلغت في هذا الشهر 18 محاكمة من بين 24 رصدتها منظمتنا في شهر ماي 2010.
وفي مؤشر آخر على تردي أوضاع الحريات في بلادنا ارتفاع عدد الانتهاكات المرصودة ضد المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من 7 إلى 13 وضد الحريات النقابية من 8 إلى 13 لتحتل كل منهما المرتبة الثانية بنسبة 17 % , ومن ابرز هذه الانتهاكات الاعتداء على مكتب الناشطة الحقوقية والمحامية الأستاذة راضية النصراوي بالسطو والاستيلاء على جهاز حاسوبها والضغط على أصحاب محلات الكراء لمنعهم من التسويغ للأساتذة عبدالرؤوف العيادي ومحمد عبو والعياشي الهمامي والاعتداء بالعنف على أستاذ التعليم الثانوي واحد مرشحي القائمة المستقلة للانتخابات البلدية السيد محمد الغضبان على يد رئيس شعبة وذرف الجنوبية بقابس وكذلك المراقبة اللصيقة المتكررة للمعارضين السياسيين مثل المهندس علي لعريض والدكتور زياد الدولاتلي السجينين السابقين في قضية حركة النهضة، والحصار المستمر على النقابي عدنان الحاجي في قفصة ومضايقة أفراد عائلته ومن ذلك الإهمال الطبي الذي تعاني منه زوجته.
ومنع السفر على الناشط الطلابي في الاتحاد العام لطلبة تونس السيد سمير النفزي عند توجهه الى ليبيا لإجراء امتحان بإحدى جامعاتها . كما منعت السلطة الاحتفال بالذكرى 33 لتأسيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنع رؤساء الفروع والضيوف من داخل تونس وخارجها من الوصول إلى المقر المركزي للرابطة.
إلى جانب اعتداء مجموعة من الحزب الحاكم على السيد ظاهر المسعدي الكاتب العام الجهوي لنقابة التعليم الثانوي بالمطوية بقابس وعضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي وترويع أفراد عائلته.
وأخيرا منع السلطة لمظاهرة وسط العاصمة دعا إلى تنظيمها مدونون احتجاجا على ما أسموه بالاستهداف العشوائي من قبل الوكالة التونسية للانترنت (حكومية) للمواقع والمدونات الالكترونية التونسية والأجنبية.
أما الانتهاكات للحريات النقابية فمن أبرزها الاعتداء بالعنف اللفظي والمادي على السيدين صلاح الدين السالمي الكاتب العام للاتحاد الجهوي بالقيروان وفتحي اللطيف عضو المكتب التنفيذي المسؤول عن القطاع الخاص عند تأطيرهما لإضراب بمصنع للفوانيس. و اعتصام 20 صحفيا يعملون بالإذاعة الثقافية بمقر نقابة الصحفيين احتجاجا على استثنائهم في تسوية وضعية أعوان الإذاعة والتلفزة .
و كذالك قرار إدارة دار لابراس بتجريد 12 صحفيا متعاونا بجريدة الصحافة من استعمال وسائل العمل بالمؤسسة كخطوة نحو الاستغناء عنهم تحت عنوان الضغط على مصاريف المؤسسة .
كما تعرض السيد عبد الرزاق المشرقي من سليمان بنابل إلى مظلمة على يد المسؤول النقابي بالمؤسسة حرمته من حق العودة إلى الشغل و اضطر للدخول في إضراب عن الطعام.
كما سجلنا انتهاكا خطيرا لحرمة المؤسسة التربوية باقتحام أعوان البوليس السياسي للمدرسة الابتدائية بحي المنارة بقابس وإيقاف السيد أسامة الصيد مدرس التربية البدنية وتعنيفه في ساحة المدرسة بحضور المدير والمعلمين والمعلمات والتلاميذ. ومن الأمثلة على التحركات الاجتماعية من إضرابات واعتصامات احتجاج عدد من البحارة وأفراد عائلاتهم بجزيرة قرقنة وتهديدهم بغلق مدخل الميناء البحري والطريق المؤدية إلى بقية مناطق الجزيرة إثر تراجع معتمد الجهة عن الوعود بتعويض الأضرار الناتجة عن تسرب من أنابيب البترول. وقد نظم عدد من معلمي التربية البدنية اعتصاما أمام وزارة الإشراف للمطالبة بحقهم في الترقية بعد 20 عاما من العمل. وأخيرا منعت قوات الشرطة بالقوة النقابيين في مدينة قابس من الخروج في مسيرة للتنديد بالاعتداء الإرهابي الصهيوني على أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة.
في نفس السياق وكمؤشر آخر على تدهور واقع الحريات في تونس ارتفاع عدد الانتهاكات المسجلة ضد الحريات الإعلامية في شهر ماي 2010 من 3 إلى 5، ومن أبرز ما سجلناه منع السلطة لمسيرة سلمية دعا اليها الصحفيان زياد الهاني عضو المكتب الشرعي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وزميله صالح الفورتي بمناسبة 3 ماي اليوم العالمي لحرية الصحافة وفرض حصار غير مبرر على السيد زياد الهاني. واحتجاج عدد من الصحفيين في إذاعة الشباب على ظروف عملهم وخاصة على ممارسات مديرة الإذاعة إلى جانب تواصل الحملة الرسمية للتضييق على استعمال شبكة الانترنت ومن آخر حلقاتها تردي خدمة ''السكايب'' منذ الاحتفال باليوم العالمي للصحافة.
أما الاعتقالات فقد سجلنا 6 حالات شملت اعتقال 3 شبان من منزل بورقيبة عند زيارتهم لمعرض الكتاب واستجوابهم بمركز شرطة الكرم قبل إطلاق سراحهم، واعتقال (وليد الظافري وخالد الجزيري) الطالبين بالمدرسة الوطنية للمهندسين بتونس قبيل موعد امتحانات آخر السنة واعتقال أنيس الرياحي وأحمد بن عثمان بالمعهد التحضيري للدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية بالقرجاني بتونس العاصمة أثناء اجتيازهما للامتحان، واستمرار مضايقة الشاب رضا قصة بمدينة سوسة الذي سبق أن اعتقل يوم زفافه.
إضافة إلى اعتقال ياسين العياري وسليم عمامو اللذان تقدما إلى الإدارة العامة للأمن الوطني بمطلب تنظيم مظاهرة أمام مقر وزارة تكنولوجيات الاتصال احتجاجا على حجب المدونات والمواقع الالكترونية.
وعلى مستوى بقية الانتهاكات فقد رصدت حرية وإنصاف هذا الشهر 4 انتهاكات متعلقة بكل من الحريات الشخصية والمساجين والمسرحين والمهاجرين والمهجرين، مسجلة تراجعا نسبيا على مستوى الكم مقارنة بشهر أفريل 2010 مع التشابه في نوعية الانتهاكات وتكرارها.
ومن أبرز هذه الانتهاكات منع مدير جامعة الكاراتيه عدد من الرياضيات المحجبات من المشاركة في البطولة الوطنية للكاراتيه مشترطا عليهن نزع خمرهن والحال أن بعضهن متحصلات على بطولات وطنية ودولية. كما شهدت مدينتا سوسة وحمام سوسة حملة أمنية واسعة ضد الملتحين وأطلق سراح العشرات بعد فرض توقيع التزام بحلق اللحية. كما شهد الشهر مواصلة سجين الرأي المهندس رفيق بن محمد الطاهر علي المعتقل بسجن المرناقية إضرابه عن الطعام للمطالبة بإطلاق سراحه وقد تدهورت حالته الصحية نتيجة هذا الإضراب، ومعاقبة سجين الرأي نور الحق بالشيخ بالسجن المضيق لمدة 10 أيام من أجل إقامته الصلاة في جماعة. كما عمد أعوان البوليس السياسي في مدينة منزل بورقيبة إلى محاصرة منزل الناشطة الحقوقية السيدة زينب الشبلي عضوة المكتب التنفيذي لمنظمة "حرية وإنصاف"والدة سجين الرأي السابق والمسرح حديثا الشاب خالد العرفاوي.
وفي ملف المهجرين سلمت السلطات الايطالية السيد محمد المناعي بعد قضائه 5 سنوات بأحد سجونها بتهمة ''الإرهاب'' إلى السلطات التونسية، كما أعلن السيد أنور الغربي بجينيف تعرضه لمحاولة اعتداء ودهس بالسيارة على يد 3 أشخاص توجهوا إليه بعبارات بذيئة باللهجة التونسية، ويتواصل حرمان عديد المهجرين من حقهم الدستوري في الحصول على جواز السفر ومنهم الصحفي علي بوراوي المقيم حاليا بباريس رغم تقدمه بطلب منذ جويلية 2007 وكذلك السيد عادل الغنوشي المقيم بفرنسا رغم تقدمه بعديد المطالب قصد زيارة والدته المسنة والمريضة والتي تفتقد الرعاية المطلوبة خاصة وأنها تعيش صحبة أبنائها المعوقين.
الحدث الأبرز:
إن مبادرة ''أسطول الحرية'' من أجل كسر الحصار عن غزة وحجم المشاركة في القافلة الإنسانية ونوعية الشخصيات التي التقت من مجتمعات وثقافات وقارات مختلفة على هذا العمل الإنساني النبيل والموقف النضالي الشجاع وما لقيه من دعم عالمي بما أربك الكيان الصهيوني المحتل وحلفاءه في المنطقة وفي العالم، يعد انجازا تاريخيا لحركة المجتمع المدني في العالم وخطوة نوعية باتجاه كسر الحصار عن غزة وتتويجا لمبادرات سابقة ومنطلقا لمبادرات لاحقة حتى كسر الحصار رغم إرهاب الدولة الذي ارتبط بنشأة الكيان الصهيوني واستمراره إلى اليوم ورغم العجز العربي الرسمي والصمت الدولي المريب.
فقد ساهم هذا العمل في صنع وضع جديد باتجاه مزيد عزل الكيان الصهيوني والمطالبة برفع الحصار عن غزة وتقديم مجرمي الحرب الصهاينة إلى العدالة ومزيد الدعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والضغط على النظام الرسمي العربي والمجتمع الدولي لوضع حد للحصار القاتل على غزة. وفي مقابل المشاركة التركية المتميزة والموقف التركي المشرف شعبا وحكومة فإن المجتمع المدني في تونس لم ينله شرف المشاركة في هذا الانجاز التاريخي للحركة الحقوقية والمدنية في العالم باستثناء المشاركة البطولية للسيد صالح الأزرق الصحفي بقناة الحوار اللندنية.
القضية الأخطر:
أمام ما بلغه واقع قطاع الإعلام والاتصال في تونس من تردّ سواء في الصحافة المكتوبة أو القطاع السمعي البصري أو المجال الالكتروني على شبكة الانترنت وما يتعرض له الصحفيون المستقلون والمعارضون من حصار ومن غياب مبادرات حقيقية من السلطة باتجاه احترام حرية التعبير والإعلام والاتصال فقد سجلنا مبادرتين ايجابيتين لكسر الحصار بالدعوة إلى التظاهر السلمي أمام وزارة الاتصالات في مناسبتين الأولى يوم الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة (3ماي) والثانية يوم 21 ماي دعا إليها مدونون احتجاجا على استهداف المواقع والمدونات في تونس وهو مؤشر ايجابي على وجود مقاومة تتسع يوما بعد يوم لسياسة فرض الرأي الواحد وقمع الرأي المخالف، إلا أن رد السلطة السلبي برفض الترخيص لتنظيم المسيرتين دون مبرر قانوني ومسارعتها بفرض حصار أمني على مكان انطلاق المسيرة والأنهج المجاورة لهو مؤشر خطير على عدم استعداد السلطة لاحترام حق الاجتماع والتظاهر السلمي فيما يتعلق بقضايا المجتمع السياسية والاجتماعية وهو وضع يجعل من تونس استثناء في المغرب العربي والإسلامي بما يعمق الشعور باليأس والإحباط ويوسع الهوة بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني ويدفع البعض إلى الحلول اليائسة أو الهروب إلى المجهول.
والمظلمة الأطول:
إن محاكمة الدكتور الصادق شورو الرئيس السابق لحركة النهضة بتهمة ملفقة تتعلق بالاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها والحكم عليه بالسجن مدة عام كامل يضاف إليه عام آخر بسبب التراجع عن السراح الشرطي كل ذلك بعد قضائه 18 سنة سجنا منها 14 في عزلة انفرادية تامة تعد مظلمة هي الأطول والأشد في حق سجين سياسي من أجل آرائه، وإن النضال من أجل إطلاق سراحه مطلب وطني وقضية عادلة ندعو كل الأحرار في البلاد وفي العالم من شخصيات ومنظمات وأحزاب للعمل على وضع حد لها دون تأجيل.
والمطلب الأوكد:
سن العفو التشريعي العام بعد 20 سنة من العفو العام السابق (25 جويلية 1989) الذي لم يعد الحقوق إلى أهلها ولم يساعد البلاد على دخول مرحلة جديدة من الحريات الحقيقية واحترام حقوق الإنسان وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير والتنظم و التنقل والاجتماع والتظاهر السلمي لتغرق البلاد من جديد في مستنقع المحاكمات السياسية والحلول الأمنية. إن سن العفو التشريعي العام مطلب وطني ملح لا غنى عنه وهو المخرج الوحيد لما بلغته البلاد من حالة الانغلاق والاحتقان.
الانتهاكات المسجلة في شهر ماي 2010
1) الحريات الإعلامية: 5
2) انتهاكات خاصة بالمعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان: 13
3) الحريات النقابية: 13
4) الحريات الشخصية: 4
5) الاعتقالات: 6
6) المحاكمات: 24
7) المساجين: 4
المهاجرون والمهجرون: 4
9) المسرحون : 4
III - الاستخلاصات:
إن التقارب في حجم الانتهاكات التي ترصدها منظمتنا رغم كل الصعوبات والعراقيل، والتي تجاوزت المائة أكثر من مرة، وإن الاستقرار المسجل في الأرقام التي تهم كل نوعية من الانتهاكات بين شهر وآخر حيث تبقى الفروق محدودة، وإن التكرار الملحوظ لطبيعة الانتهاكات المرصودة في مختلف مجالات الحريات الفردية والعامة وحقوق الإنسان في تونس كل ذلك يعكس عدم حصول تغيير حقيقي وملموس في الوضع العام بالبلاد رغم الوعود الرسمية المتكررة وغياب إصلاحات حقيقية رغم المطالب الملحة لمكونات المجتمع المدني الحقوقية والسياسية والإعلامية والنقابية والثقافية. فإلى متى تستمر سياسة الهروب إلى الأمام والمراهنة على الحلول الأمنية والقضائية والحملات الإعلامية التشويهية لفرض الرأي الواحد في مجتمع متعدد الآراء؟وإلى متى يبقى مرتكبو هذه الانتهاكات والاعتداءات ومن يقف وراءهم دون محاسبة إدارية وقضائية؟
1- رغم سبقها في إمضاء اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي منذ سنة 1995 فإن السلطة لم تتحصل إلى حد الآن على مرتبة "الشريك المتقدم" لتونس والتي سبقها إليها المغرب والأردن. ورغم تأكيد الخطاب الرسمي على النجاح الاقتصادي الباهر والسمعة الدولية المتميزة فإن السلطة لجأت مباشرة بعد محادثات 11 ماي مع الاتحاد الأوروبي حول مرتبة "الشريك المتقدم" إلى إصدار قانون جديد يجرم ويعاقب من يتصل بالأجنبي للتحريض على المصالح الحيوية للبلاد ويهدد أمنها الاقتصادي. وذلك عبر تنقيح الفصل 61 مكرر من المجلة الجزائية المتعلق بأمن الدولة. وهي خطوة تتناقض مع الخطاب الرسمي نفسه لأنها تعكس هشاشة في الوضع الاقتصادي وضعفا في العلاقة بالجهات الأجنبية التي تراهن السلطة على دعهما المالي والاقتصادي. وهي من ناحية أخرى محاولة لتحميل أصحاب الرأي المخالف من المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والإعلاميين المستقلين المسؤولية على فشل السلطة في الحصول على مرتبة الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوروبي وتردي صورتها في الخارج رغم الدعاية المستمرة لتلميعها.
إن العقلية الأمنية التي تقف وراء خطاب التهديد والترهيب والتخوين في وجه كل من يقاوم الاستبداد والفساد في البلاد والتي تشرع للانتهاكات الخطيرة والمتكررة للحريات الفردية والعامة ولحقوق الإنسان والتي تضخم قضية "الإرهاب" وتوظفها لتبرير مسلسل الاعتقالات والمحاكمات ضد الشباب المتدين ضحايا "قانون الإرهاب" اللادستوري على امتداد سبع سنوات دون توقف، هي التي تهدد بحق المصالح الحيوية للبلاد وتضيع فرصا أمام ازدهارها الاقتصادي الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالإصلاح السياسي وإطلاق الحريات واحترام حقوق الإنسان. فالمطلوب إصلاحات دستورية وقانونية باتجاه ضمان حرية التعبير والإعلام والتنظم والاجتماع والتنقل والتظاهر السلمي لا العكس حتى تصبح تونس بحق لكل التونسيين.
2- منذ انقلاب 15 أوت على المكتب الشرعي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين مرورا باعتقال و سجن و تعنيف عدد من الصحافيين وتشديد المراقبة على استعمال شبكة الانترنت بما في ذلك الفايس بوك وأخيرا وخاصة بعد 3 ماي اليوم العالمي لحرية الصحافة باستهداف وسيلة التخاطب عبر ''السكايب'' إضافة إلى معاناة عديد الصحافيين نظرا لظروفهم المهنية والمعنوية الصعبة ارتفعت عديد الأصوات من داخل قطاع الإعلام وفي المجتمع المدني للاحتجاج ومحاولة كسر الحصار المضروب على قطاع الإعلام. وقد بلغ الأمر في شهر ماي درجة متقدمة بمحاولة تنظيم مسيرات احتجاجية الأولى بمشاركة الصحافيين والثانية بمشاركة المدونين إلا أن رفض السلطة الترخيص لهما وفرض حصار أمني شديد على مكان انطلاقهما مؤشر إضافي على ما آلت إليه أوضاع حرية التعبير والإعلام في تونس من تردّ وانعدام استعداد السلطة لاحترام حق التظاهر السلمي في القضايا الوطنية لكل من يخالفها الرأي.
3- بعد مرور أكثر من نصف قرن على خروج الاحتلال الفرنسي يقف شيخ الحقوقيين في تونس السيد علي بن سالم أمام المحكمة الإدارية للدفاع عن حقه في تكوين جمعية "ودادية قدماء المقاومين" بعد رفض وزارة الداخلية الترخيص لها. و في انتظار التصريح بالحكم في 7 جويلية القادم والذي لن يغير من قرار وزارة الداخلية كما هو الشأن لعديد القرارات المشابهة فإن هذا الحدث دليل جديد على مدى الانغلاق في تعامل السلطة مع المجتمع المدني المستقل واحترام حق التونسيين والتونسيات في حرية التعبير والتنظم والاجتماع.
4- يوم 12 أفريل وقبل شهر من موعد 11 ماي للمحادثات حول مرتبة "الشريك المتقدم" مع الاتحاد الأوروبي انطلق ما سمي بـ''الحوار'' من أجل الإعداد لمؤتمر وفاقي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بعد أزمة استمرت حوالي 10 سنوات وقرار قضائي نهائي يمنع الهيئة المديرة الحالية من النشاط. ويوم 21 ماي أي بعد 10 أيام فقط فوجئت الهيئة المديرة بمنع السلطة للاحتفال بالذكرى 33 لتأسيس الرابطة وبأسلوب أمني عبر محاصرة المقر المركزي ومنع الاقتراب منه وهو الموعد المفترض أن يعلن فيه عن نتائج "الحوار". إن تطور الأحداث يؤكد أن استقلالية الرابطة ومكانتها في الحركة الحقوقية الوطنية أصبحت مهددة ويتوقف مستقبلها على تحرك مناضليها لحماية استقلاليتها واستعادة نضاليتها وانفتاحها على الجميع دون إقصاء ودفاعها عن الجميع دون استثناء وتعاونها مع مختلف مكونات الحركة الحقوقية الوطنية دفاعا عن الحريات و حقوق الإنسان في تونس.
وأمام هذه التطورات الخطيرة فإن منظمة حرية وإنصاف ترى من واجبها دعوة الرابطيين إلى التصدي لمحاولة جر الرابطة إلى مسار قد يلهيها عن الاهتمام بالقضايا الحقوقية الحقيقية والقيام بدورها في التصدي للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في ظرف بلغت فيه هذه الانتهاكات ذروتها وأصبح من الضروري تكاتف جهود كل الحقوقيين وجميع مكونات المجتمع المدني للعمل على وقف هذا الانهيار.
5- على عكس ما جاء في الخطاب الرسمي من عدم وجود قضية ''مهجّرين'' لأسباب سياسية وأن حق العودة مضمون للجميع وفق دستور البلاد وقوانينها، فإن استمرار رفض السلطة تمكين المهجرين من حقهم الدستوري في الحصول على جواز السفر وحقهم في العودة الكريمة والآمنة بل وسعيها لمساومة عدد منهم على انتمائه الفكري والسياسي حيث بلغ الأمر في التعامل مع عدد منهم تقديم وعود زائفة بتمكينهم من حقهم في جواز السفر مقابل تخليهم عن اللجوء السياسي الذي يتمتعون به في بلدان إقامتهم، مما يؤكد عدم مصداقية الخطاب الرسمي واستمرار السلطة في المراهنة على المنهج الأمني في التعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية. وإن تمكين عدد قليل منهم من العودة المشروطة وبصفة فردية استثناء يؤكد القاعدة.
6- إن اللجوء إلى الإضراب عن الطعام بعد استنفاذ الجهود واليأس من الحلول في قطاعات مختلفة بين المواطنين وفي صفوف المساجين يعكس حالة خطيرة من غياب الحوار ودور المؤسسات في تحمل مسؤوليتها وارتهانها للـ''تعليمات''. وإن تجاهل السلطة لحالات الإضراب عن الطعام بدعوى عدم الخضوع للضغوطات ورفض الاستجابة للمطالب المشروعة بعد الإضراب يؤكد أن لغة الحوار مفقودة قبل الإضراب وعند الإضراب وبعد الإضراب رغم أنه أسلوب سلمي متحضر للتحسيس والاحتجاج والمطالبة في العالم. فهل أن هذه السياسة في التعامل مع الإضراب عن الطعام كوسيلة سلمية مثلها مثل الاعتصام أو التظاهر هي دعوة من السلطة للتنازل عن الحقوق أو اللجوء إلى وسائل غير سلمية؟ وفي الحالتين فإن الضرر كبير على المجتمع واستقراره.
7- إن الحصار الأمني المستمر على منظمة "حرية و إنصاف" على مستوى المقر وملاحقة أعضاء مكتبها التنفيذي ومراقبة منازلهم قصد ترهيب مناضليها ومناضلاتها وتعطيل سير مؤسساتها والحيلولة دون اتصال المواطنين بها من المتضررين وعائلاتهم ، وهي اعتداءات غير مبررة وغير مقبولة على حق منظمتنا في النشاط بحرية وعلنية في إطار القانون. وإن هذا الحصار لن يثن المنظمة عن مواصلة أداء واجبها الحقوقي والوطني والإنساني لوضع حد للانتهاكات للحقوق والحريات وفي ذلك خدمة حقيقية لسمعة البلاد. وقد أكدت هذه التطورات الخطيرة في حق منظمة "حرية وإنصاف" وغيرها من المنظمات والجمعيات الحقوقية المستقلة والمناضلة ضرورة تضامن الحقوقيين فيما بينهم أفرادا ومنظمات من أجل حركة حقوقية وطنية ومناضلة ومستقلة وديمقراطية.
8- من مظاهر تردي المشهد الإعلامي في بلادنا مقارنة بما يشهده العالم من ثورة هائلة في مجال الإعلام والاتصال وانفتاح المجتمعات والشعوب على بعضها استمرار حجب المواقع والمدونات الالكترونية التي تنشر الآراء المخالفة لوجهة نظر السلطة والمضايقة المستمرة للصحفيين من بينهم الصحفي لطفي الحجي المحروم من بطاقة اعتماده كمراسل لقناة الجزيرة التي استهدفتها السلطة من خلال حجب موقعها الالكتروني. كل ذلك في مناخ من التوتر غير المبرر في حين أن مصلحة البلاد تقتضي الانفتاح على الإعلام الخارجي والحوار مع الآخرين من خلاله فإن عصر الانغلاق والانعزال والوصاية على العقول قد ولّى.
9- إن المنع من السفر بل ومن الحصول على جواز السفر في حق الناشطين الحقوقيين والسياسيين والإعلاميين بات هو القاعدة والإذن هو الاستثناء. وحتى عند السماح بالسفر في حالات معدودة فإن المعاملة عند الحدود تزداد سوءا يوما بعد يوم من خلال اللجوء إلى التفتيش المهين والاستفزاز عبر العنف اللفظي وصولا إلى استعمال العنف المادي في المطار عند العودة إلى تونس. والحال أن السفر جزء من حق التنقل وهو حق يضمنه الدستور والمعاهدات الدولية ولا يجوز للإدارة المس به وإن جواز السفر لا يعدو أن يكون وثيقة لتنظيم السفر بما يضمن حرية التنقل ولا يُضيّق عليها وإن اعتماده كوسيلة للعقاب أو الضغط أو الترهيب يُولد شعورا لدى المواطن بأن وطنه تحوّل إلى سجن كبير وأن قائمة المتضررين من الحرمان من جواز السفر دون مبرر قانوني ولا حكم قضائي في تونس أصبحت تضم الآلاف وتتسع يوما بعد يوم بما في ذلك من تحصلوا على حكم قضائي لفائدتهم من المحكمة الإدارية بقي حبرا على ورق الأمر الذي يجعل هذا الملف يمثل قضية وطنية تستوجب استنفار كل الطاقات في المجتمع المدني للدفاع عن هذا الحق المقدس لكل التونسيين والتونسيات المقيمين داخل الوطن وخارجه بدون استثناء.
10- لقد أصبح منع المناضلين السياسيين والناشطين الحقوقيين والصحافيين المستقلين من المشاركة في التظاهرات السياسية والحقوقية والإعلامية على يد البوليس السياسي والاعتداء على حرمتهم الجسدية وحرمة عائلاتهم ومنازلهم وممتلكاتهم قصد ترهيبهم وإسكات الرأي المخالف وشل المجتمع المدني بدعوى تنفيذ ''التعليمات من فوق'' من مميزات الوضع العام بالبلاد، وذلك رغم الإمضاء المعلن على المعاهدات الدولية لحماية الناشطين الحقوقيين والدعاية الرسمية حول احترام السلطة لحقوق الإنسان الأمر الذي يهدد مستقبل البلاد واستقرار المجتمع لأنه يدفع المواطنين وخاصة الشباب منهم إلى الحلول اليائسة أو اللامبالاة والاستقالة من الشأن العام. في حين أن احترام دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في تأطير المواطنين ودفعهم نحو المشاركة الإيجابية في مناخ الحريات الحقيقية خير ضامن لأمن البلاد واستقرار المجتمع.
11- إن النقابيين لا يزالون يناضلون من أجل الحق النقابي وحرية العمل النقابي داخل المؤسسات العمومية والقطاع الخاص، حيث لا يزال ينظر إلى تكوين النقابات على أنه تحريض للعمال وعائق أمام تحسين إنتاجية المؤسسة الاقتصادية مقابل نظام المناولة واستمرار تردي أوضاع الشغالين حيث تراجع القوانين والمكتسبات الاجتماعية وظروف العمل في إطار ما يسمى بمرونة الشغل مما أدى إلى تراجع العمل النقابي وأداء دوره في ضمان حقوق العمال وتحسين ظروف عملهم في تكامل بين الحقوق والواجبات. وتزداد الحاجة الوطنية لحرية العمل النقابي مع تفاقم ظاهرة إغلاق المؤسسات وتسريح العمال مما اضطر العديد منهم لتنظيم الاعتصامات داخل المؤسسات. إن محاصرة العمل النقابي وتردي أوضاع الشغالين وتهديد البطالة للعديد منهم تزيد في تأزم الأوضاع الاجتماعية وفقدان السيطرة عليها في غياب الحلول العادلة التي تضمن الحقوق المشروعة لكل الأطراف.
12- إن استمرار حملة المحاكمات السياسية ضد الشباب المتدين بسبب معتقداتهم والتي لم تتوقف منذ صدور قانون الإرهاب اللادستوري في 10 ديسمبر 2003 أي على امتداد أكثر من 6 سنوات، وفي الوقت الذي يتفق فيه المراقبون على عدم وجود ظاهرة الإرهاب في تونس ورغم فشل ما سمي بالحرب على الإرهاب عالميا وظهور مؤشرات على مراجعة الحلول الأمنية لفائدة الحلول السياسية في التعامل مع هذه القضية فإن إصرار السلطة على هذا النهج الأمني سيعمق مشاعر الحقد واليأس لدى هذه الفئة من الشباب مما يهدد استقرار المجتمع ومستقبل البلاد ليتأكد أن الحرية والحوار هما البديل الوحيد لحماية المجتمع واحتضان هذه الفئة من الشباب. ورغم ما يجمع عليه الحقوقيون في تونس من مطالبة بإلغاء هذا القانون اللادستوري ووضع حد للاعتقالات العشوائية والمحاكمات السياسية والتعذيب حيث تضمنت المجلة الجنائية فصولا تجرم مظاهر الاعتداء على الحرمة الجسدية وذلك على الفصلين 101 و103 وينص الفصل 101 من المجلة الجنائية على تسليط العقاب بالسجن مدة خمسة أعوام وخطية على كل موظف عمومي أو شبهه يرتكب بدون موجب بنفسه أو بواسطة جريمة التعدي بالعنف على الناس حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها.
وقد تعرض الفصل 103 من المجلة الجنائية لاستعمال العنف أو سوء المعاملة لانتزاع اعتراف أو تصريح ونص على تسليط عقاب بالسجن مدة خمسة أعوام وخطية على الموظف العمومي الذي يباشر بنفسه أو بواسطة غيره ما فيه عنف أو سوء معاملة ضد متهم أو شاهد أو حريف للحصول منهم على الإقرار أو التصريح أما إذا لم يقع إلا التهديد بالعنف أو سوء المعاملة فالعقاب ينخفض إلى ستة أشهر.
منظمة حرية و إنصاف
لمطالعة التقرير كاملا :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]