[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]* ســورة الـعــاديــات *
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا {1} فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا {2} فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا{3}
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا {4} فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا {5} إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ {6} وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ {7}
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ {8} أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ{9} وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ {10}
إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ {11}
قال الألوسي في تفسيره : السورة مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وقال بعضهم أنها مدنية .
أغراضها : التنويه بشأن الجهاد والمجاهدين وفضل الخيل التي تربط من أجل إعلاء كلمة الله وبيان ما جبل عليه الإنسان من حرص على منافع الدنيا وتحريض الناس أن يتزودوا بالعمل الصالح الذي ينفعهم يوم الحساب .
التـفـسيـر
(وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا {1})
العاديات : جمع عادية ، أسم فاعل من العدو وهو المشي بسرعة .
ضبحًا : الضبح هو اضطراب النفس المتردد في الحنجرة دون أن يخرج من الفم ، والمراد به هنا صوت أنفاس الخيل عند جريانها بسرعة .
في فتح البيان : العاديات هي الخيل العادية في الغزو نحو العدو .
وفى التفسير الكبير : الضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدت وهو صوت ليس بصهيل ولا حمحمة ولكنه صوت نفس . وإنما قال (ضبحًا) لأنه أمارة يظهر به التعب وأنه يبذل كل الوسع ولا يقف عند التعب فكأنه تعالى يقول إنه مع ضعفه لا يترك طاعته فليكن العبد في طاعة مولاه أيضاً كذلك
(فَالْمُورِيَاتِ قَـدْحًا {2})
الموريات : جمع مورية اسم فاعل من الإيراء وهو إخراج النار .
القدح : ضرب شيء بشيء لكي يخرج من بينهما شرر النار .
والمراد به هنا : النار التي تخرج من أثر احتكاك حوافر الخيل بالحجارة خلال عدوها بسرعة .
قال ابن كثير : احتكاك نعالها بالصخر فتقدح نار .
(فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا{3})
المغيرات : جمع مغيرة من أغار فلان على فلان إذا باغته بفعل يؤذيه .
صبحاً : أي وقت الصباح .
قال القرطبي: كانوا إذا أرادوا الإغارة ساروا ليلاً ليأتون العدو صبحاً لأن ذلك وقت غفلة الناس ومنه قوله (فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ {177}) ( سورة الصافات )
والإغارة : سرعة السير .
(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا {4})
فأثرن : هيجن . نقعاً : النقع أي الغبار من شدة الجري .
قال الزمخشري : فهيجن بذلك العدو - الجري غبار .
وجاء في فتح البيان وتخصيص إثارته بالصبح لأنه وقت الإغارة ولكونه لا يظهر أثر النقع في الليل .
(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا {5})
أي فتوسطن في ذلك الوقت جميع الأعداء والمراد بالعاديات والموريات والمغيرات خيل المجاهدين في سبيل الله .
قال القنوجي : وإنما أقسم الله عز وجل بخيل الغزاة تنبيهاً على فضلها وفضل رباطها في سبيل الله ولما فيها من المنافع الدينية والدنيوية والأجر والغنيمة .
وقال البقاعي : أقسم بها الله عز وجل ليتأمل ما فيها من الأسرار الكبار التي باينت بها أمثالها من الدواب .
والمعنى : وحق الخيل التي يعتلى صهوانها المجاهدون من أجل إعلاء كلمة الله والتي تجري بهم في ساحات القتال فيسمع صوت أنفاسها والتي تظهر شرر النار من إثر صك حوافرها بالحجارة وما يشبهها والتي تغير على العدو في وقت الصباح فتثير الغبار وتمزق جموع الأعداء وحق هذه الخيل الموصوفة بتلك الصفات...
(إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ {6}) ( التفسير الوسيط )
(إن الإنسان لربه لكنود) هذا جواب القسم .
والمراد بالكنود : الكفور بالنعمة .
يقال : فلان كند النعمة إذا جحدها ولم يشكر الله عليها .
قال القرطبي : أي طبع الإنسان على كفران النعمة .
وقال صاحب التحرير والتنوير: "الإنسان" تعريف للجنس وهو يفيد الاستغراق غالباً أي أن في طبع الإنسان الكنود لربه أي كفران نعمته وهذا عارض يعرض لكل إنسان على تفاوت منه ولا يسلم منه إلا الأنبياء وكامل أهل الصلاح لأنه عارض ينشأ على إيثار المرء نفسه وهو أمر في الجبلة ولا تدفعه إلا المراقبة النفسية وتذكر حق غيره وبغير ذلك قد يذهل أو ينسى حق الله ...
والإنسان يحس بذلك من نفسه في خطراته ويتوانى أو يغفل عن مقاومته لأنه يشتغل بإرضاء داعية نفسه ، والأنفس متفاوتة في تمكن هذا الخُـلق منها والعزائم متفاوتة في استطاعة ما غالبته ، فالإنسان لا يخلو من أحوال مآلها إلى كفران النعمة بالقول والقصد أو بالفعل والغفلة .
ونقل القرطبي في تفسيره هذه الأقوال :
عن ابن عباس : الكنود: هو الكفور الجحود لنعم الله .
وقال الحسن : الكنود :هو الذي يذكر المصائب وينسى النعم .
وقال أبو بكر الوسطي : الكنود الذي ينفق نعم الله في معاصي الله .
وقال أبو بكر الوراق: الكنود: الذي يرى النعمة من نفسه وأعوانه .
وقال الترمذي : الكنود: الذي يرى النعمة ولا يرى المنعم .
وقال ذا النون المصري : هو الذي إذا مسه الشر جزوع وإذا مسه الخير منوع .
وقيل : هو الجهول لقدره .
وفى الحكمة : من جهل قدره هتك ستره .
قال القرطبي : هذه الأقوال كلها ترجع إلى معنى الكفران والجحود .
وقال البقاعي في ( نظم الدرر) : الكنود الذي يزدرى القليل ولا يشكر الكثير وينسى كثير النعم بقليل المحنة ويلوم ربه في أيسر نعمة.
وقال الفضيل : هو من أنسته الخصلة الواحدة من الإساءة الخصال الكثير من الإحسان .
وقال السعدي في تفسيره : قوله ( إن الإنسان لربه لكنود ) أي منوع للخير الذي لله عليه فطبيعة الإنسان وجبلته أن نفسه لا تسمح بما عليه من الحقوق فتؤديها كاملة موفرة بل طبيعتها الكسل والمنع لما عليها من الحقوق المالية والبدنية إلا من هداه الله وخرج عن هذا الوصف إلى وصف السماح بأداء الحقوق ...
والمعنى : أن في طبع الإنسان إلا من عصمه الله تعالى الكنود لربه, والكفران لنعمته, والنسيان لمننه, وإحسانه, والغفلة عن المواظبة على شكره تعالى, والتضرع إليه سبحانه عند الشدائد والضراء, والتشاغل عن ذلك عند العافية والرخاء .
يتبع ......